عليهم أن يؤمنوا ويعترفوا بحرية التعبير كون إن الطاقة الجماهيرية الكامنة في مراقبة مجريات الأمور السياسية في العراق من خلال شاشات التلفاز ومستلمي الرسائل الدعائية للحملات الانتخابية كائن يمتلك كامل الشعور والمدركات التي تؤهله إلى التمييز بين الصدق السياسي والكذب الدعائي ، وفي حالة أقامت المظاهرات ، والتي تعرف بعلم السياسة إنها الظهور و الإعلان عن الوجود من قبل الجماهير تجاه مسألة ما ، فأنها من مكملات العملية الديمقراطية ، فعندما يأخذ الجمهور دوره المتمثل بحارس البوابة التي لا يمر قرار إلا عن طريق قناعاته وإستيعابات تفاصيل كل قرار ، وبهذا يكون الجمهور اكبر مؤسسة شريكة في العملية السياسية لان النظام الديمقراطي لا يتوقف عند إعلان نتائج الانتخابات وجلوس الفائزين على كرسي الحكم ، بل يبدأ دور الرقابة الجماهيرية ومتابعة الوعود والشعارات التي أطلقها أبطال القوائم الانتخابية ، والحقيقة إن مثلما الشعب العراقي الخارج من قرون طويلة من الديكتاتورية المقيتة لم يتعود على الديمقراطية فأن معظم أللاعبين السياسيين قد زجوا أنفسهم في غمار السياسة دون الفهم الكامل للنظام الديمقراطي وهذا ما ظهر بوضوح بعد التحرك الجماهيري الغاضب على الأداء الحكومي عموما وأداء وزارة الكهرباء خصوصا والذي قوبل بأعمال إجرامية لا يمكن أن تنتمي إلا إلى مدرسة الفكر البعثي الفاشي والذي برر عملية قمع المتظاهرين من قبل البعض على أنهم لا يمتلكون التصريح للتظاهر وان الجهة الداعمة لهذا التحرك الجماهيري مجهول الهوية ، وكأن المظاهرات حكرا على الجهات والمؤسسات الحزبية أو ما شاكلها ، علما إن الإحصائيات تدل على إن أكثر من 93% من الشعب العراقي لا ينتمون إلى الأحزاب ، وكأن الجماهير المستقلة التي عليها أن تؤدي الواجب الوطني في الانتخابات لا تملك الحق الدستوري في المظاهرات إلا إذا اتبعت احد الأحزاب ، مع العلم إن اكبر التيارات السياسية في وسط وجنوب العراق هي تيارات دينية شعبية ، وهذا الأمر جعل من المقصودين من خلال هذه المظاهرات أن يرموا التهم على منافسيهم السياسيين ليخرجوا المظاهرة من ثوبها الجماهيري العفوي الساخط ويرموا عليها لباس مشوه بالتنافس السياسي الذي يعيدنا إلى ما قبل الانتخابات .
إن إقامة هكذا مظاهرات واحتجاجات شعبية واسعة فتحت الباب على مصراعيه للجماهير في أن تكون قريبة من السياسيين ومشاركة في الحكم ، وهذا يجعل طريق الحكومة القادمة ومهماتها عسيرة كون إن فترات الحكومات السابقة كان السياسيون الذين يملكون السلطة يستعملون جرعات كبيرة من الخطابة الرنانة لتخدير الشارع العراقي إلى الحد الذي لم تعد تلك الجرعات الخطابية قادرة على أن تستر الفساد المالي والإداري المستشري في معظم المؤسسات الحكومية والذي أدى إلى هدر مئات المليارات من الدولارات والتي يعتبر الشعب العراقي الخارج من اكبر كارثة اقتصادية في التاريخ الحديث أحوج ما يكون إليها وهذا ما دفعه إلى الخروج في الانتفاضة الكهربائية التي انطلقت من البصرة لتعم معظم المدن العراقية ، وان دلت هذه على شيء فأنها تدل على بوادر عافية ديمقراطية في التعبير عن الرأي وعدم السكوت على الظلم .
وأخيرا علينا أن لا ننسى القول المأثور - إن لا يوجد هناك حاكم ظالم بل هناك شعب يحب الظلم - وحاشى لله أن يكون الشعب العراقي كذلك .